الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومعنى {فآتوهن أجورهن} المهر والدليل على ذلك أن بعده {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن} فهذا باجماع المهر وروي عن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قراء {فما استمتعم به منهن إلى أجل مسمى} والقول الآخر أن هذا ليس من المتعة وقال الحسن ومجاهد هو من النكاح فالمعنى {فما استمتعتم به منهن} من النكاح أي ان دخلتم بها فلها المهر ومن لم يدخل كان عليه نصف المهر والدليل على أن هذا هو القول الصحيح قوله: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} أي ان وهب لها النصف الآخر فلا جناح وان وهبت له النصف فلا جناح.56 ثم قال عز وجل: {إن الله كان عليما حكيما} أي هو عليم بما فرض عليكم في النكاح.57 وقوله عز وجل: {ومن لم يستطع منكم طولا} أي قدرة على المهر والطول في اللغة الفضل ومنه تطول الله علينا والطول في القامة فضل والطول الحبل ويقال لا أكلمه طوال الدهر.58 وفي قوله عز وجل: {أن ينكح المحصنات} قولان أحدهما أنهن العفائف والآخر أنهن الحرائر والاشبه أن يكن الحرائر لقوله: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} يعني المملوكات والعرب تقول للمملوك فتى وللملوكة أبو فتاة.59 ثم قال عز وجل: {بعضكم من بعض} في معنى هذا قولان أحدهما بنو آدم والقول الآخر انكم مؤمنون فأنتم اخوة وانما قيل لهم هذا فيما روي لانهم في الجاهلية كانوا يعيرون بالهجنة أو ويسمون ابن الامة هجينا فقال عز وجل: {بعضكم من بعض}.60 وقوله جل وعز: {وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات} متزوجات {غير مسافحات} أي غير زانيات {ولا متخذات أخدان} الخدن الصديق أي غير زانيات بواحد ولا مبذولات.61 ثم قال جل وعز: {فإذا أحصن} قال الشعبي معناه فإذا أسلمن وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال الاحصان الاسلام ويقرأ فإذا أحصن قال ابن عباس تزوجن إذا كانت غير متزوجة وقال الزهري معناه فإذا تزوجن قال الزهري تحد الامة إذا زنت وهي متزوجة بالكتاب وتحد إذا زنت ولم تتزوج بالسنة.والاختيار عند أهل النظر فإذا أحصن بالضم لأنه قد تقدم ذكر اسلامهن في قوله عز وجل: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات} فدل ذلك على أن الاحصان الثاني غير الاسلام فالاختيار على هذا {أحصن} بالضم أي تزوجن وقيل: {أحصن} تزوجن وذا أولى لأنه قال: {من فتياتكم المؤمنات} فيبعد أن يقول فإذا أسلمن.62 ثم قال جل وعز: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} يعني نصف الحد ويعني بالمحصنات هاهنا الابكار الحراير.لان الثيب عليها الرجم ولا يتبعض قيل وانما قيل للبكر محصنة وان لم تكن متزوجة لأن الاحصان يكون لها كما يقال أضحية قبل أن يضحى بها وكما يقال للبقرة مثيرة قبل أن تثير وقيل المحصنات المتزوجات لأن عليهن الضرب والرجم في الحديث والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب.63 ثم قال جل وعز: {ذلك لمن خشي العنت منكم} قال الشعبي الزنا والعنت في اللغة المشقة يقال أكمة عنوت إذا كانت شاقة.64 ثم قال جل وعز: {وأن تصبروا خير لكم} أي وأن تصبروا عن نكاح الاماء خير لكم وانما شدد في الاماء لأن ولد الرجل منها يكون مملوكا وهي تمتهن في الخدمة وهذا شاق على الزوج.65 وقوله عز وجل: {ويهديكم سنن الذين من قبلكم} أي طرق الانبياء والصالحين قبلكم لتتبعوها.66 وقوله جل وعز: {ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} أي يريدون أن تعدلوا عن القصد والحق.67 وقوله جل وعز: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا} قال طاووس خلق ضعيفا في أمر النساء خاصة وروي عن ابن عباس أنه قرأ {وخلق الإنسان ضعيفا} أي خلق الله الانسان ضعيفا.68 وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي لا يحل لكم الا على ما تقدم من هبة أو مهر أو صدقة أو بيع أو شراء وما أشبه ذلك.69 وقوله جل وعز: {ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما} قال عطاء أي لا يقتل بعضكم بعضا وذلك معروف في اللغة لأن المؤمن من المؤمن بمنزلة نفسه.وقرأ الحسن {ولا تقتلوا أنفسكم} على التكثير.70 ثم قال جل وعز: {ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا} العدوان في اللغة المجاوزة للحق والظلم وضع الشيء في غير موضعه.71 ثم قال جل وعز: {وكان ذلك على الله يسيرا} أي سهلا يقال يسر الشيء فهو يسير إذا سهل.72 وقوله جل وعز: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الكبائر الشرك بالله والسحر وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وعقوق الوالدين.وقال عبد الله بن مسعود الكبائر الشرك بالله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله وأمن مكر الله وقال طاووس قيل لابن عباس الكبائر سبع قال هي إلى السبعين أقرب وحقيقة الكبيرة في اللغة أنها ما كبر وعظم مما وعد الله جل وعز عليه النار أو أمر بعقوبة فيه فما كان على غير هذين جاز أن يكون كبيرة وأن يكون صغيرة.73 ثم قال تعالى: {نكفر عنكم سيئاتكم} قال أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يصيبه هم أو نصب الا كفر عنه به.74 ثم قال جل وعز: {وندخلكم مدخلا كريما} قيل يعني به الجنة والله أعلم.75 وقوله جل وعز: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} روي أن أم سلمة قالت يا رسول الله فضل الله الرجال على النساء بالغزو وفي الميراث فأنزل الله: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} وقيل انما نهي عن الحسد والحسد عند أهل اللغة أن يتمنى الانسان ما لغيره بأن يزول عنه فان تمنى ما لغيره ولم يرد أن يزول عنه سمي ذلك غبطة المعنى ولا تتمنوا تلف ما ثم حذف وقال قتادة كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الانثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال وقال الرجال انا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فنزلت {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} أي المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجال وقال سعيد بن جبير {وأسألوا الله من فضله}.العبادة ليس من أمر الدنيا وقيل سلوه التوفيق للعمل لما يرضيه {إن الله كان بكل شيء عليما} أي بما يصلح عباده.76 وقوله جل وعز: {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون} قال مجاهد هم بنو العم وقال قتادة هم الاقرباء منهم الاب والاخ وقال الضحاك يعني الاقرباء وهذا قول أكثر أهل اللغة.77 وقوله جل وعز: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} هذه الآية منسوخة قال ابن عباس كانوا في الجاهلية يجئ الرجل إلى الرجل فيقول له أرثك وترثني فيكون ذلك بينهما حلفا فنسخ الله ذلك بقوله: {وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} وكذلك روي عن الحسن وعكرمة وقتادة أن الآية منسوخة وقال سعيد بن المسيب كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فنسخه الله جل وعز.78 وقوله جل وعز: {الرجال قوامون على النساء} قيل لأن منهم الحكام والامراء ومن يغزو.79 ثم قال جل وعز: {بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم} أي من المهور.80 ثم قال جل وعز: {فالصالحات قانتات} قال قتادة أي مطيعات وقال غيره أي قيمات لازواجهن بما يجب من حقهن.81 ثم قال عز وجل: {حافظات للغيب} قال قتادة أي لغيب أزواجهن {بما حفظ الله} أي بما حفظهن الله به في مهورهن والانفاق عليهن وقرأ أبو جعفر المدني {بما حفظ الله} ومعناه بأن حفظن الله في الطاعة وتقديره بحفظ الله.82 وقوله جل وعز: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} قال أهل التفسير النشوز العداوة والنشوز في اللغة الارتفاع ويقال لما ارتفع من الأرض نشز ونشز.والعداوة هي ارتفاع عما يجب وزوال عنه قال سفيان معنى فعظوهن أي فعظوهن بالله {واهجروهن في المضاجع} قال سفيان من غير ترك الجماع {واضربوهن} قال عطاء ضربا غير مبرح.83 ثم قال جل وعز: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} قال ابن جريج أي لا تطلبوا عليهن طريق عنت.84 ثم قال جل وعز: {ان الله كان عليا كبيرا} أي هو متعال عن أن يكلف الا الحق ومقدار الطاقة.85 وقوله جل وعز: {وان خفتم شقاق بينهما} قال أبو عبيدة معنى خفتم أيقنتم قال أبو جعفر قال اسحاق هذا عندي خطأ لانا لو أيقنا لم يحتج إلى الحكمين وخفتم هاهنا على بابها والشقاق العداوة وحقيقته أن كل واحد من المعاديين عبد في شق خلاف شق صاحبه.86 ثم قال جل وعز: {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} قال مجاهد يعني الحكمين قال أبو جعفر وهذا قول حسن لانهما إذا اجتمعت كلمتهما قبل منهما على أن في ذلك اختلافا روي عن سعيد بن جبير أنه قال للحكمين أن يطلقا على الرجل إذا اجتمعا على ذلك وهذا قول مالك وفيه قول آخر وهو أنهما لا يطلقان عليه حتى يرضى بحكمهما.وروي هذا القول أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رحمه الله أنه قال للحكمين لكما أن تحمعا عليه وأن تفرقا فقال الزوج أما التفرقة فلا قال علي والله لترضين بكتاب الله.87 ثم قال جل وعز: {إن الله كان عليما خبيرا} أي هو عليم بما فيه الصلاح خبير بذلك.88 وقوله جل وعز: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} أي لا تعبدوا معه غيره فتبطل عبادتكم.89 ثم قال جل وعز: {وبالوالدين احسانا} أي وصاكم بهذا والتقدير وأحسنوا بالوالدين احسانا.90 وقوله جل وعز: {والجار ذي القربى} هو الذي بينك وبينه قرابة ثم قال جل وعز: {والجار الجنب} قال ابن عباس هو الغريب وكذلك هو في اللغة ومنه فلان أجنبي وكذلك الجنابة البعد وأنشد أهل اللغة فلا تحرمني نائلا عن جنابة فاني امرؤ وسط القباب غريب.92 ثم قال جل وعز: {والصاحب بالجنب} روي عن علي وعبد الله بن مسعود وابن أبي ليلى أنهم قالوا الصاحب بالجنب المرأة.وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك الصاحب بالجنب الرفيق في السفر.93 ثم قال جل وعز: {وابن السبيل} قال قتادة ومجاهد والضحاك هو الضيف والسبيل في اللغة الطريق فنسب إليها لأنه إليها يأوي.94 وقوله عز وجل: {إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} المختال في اللغة ذو الخيلاء فان قيل فكيف ذكر المختال هاهنا وكيف يشبه هذا الكلام الاول فالجواب أن من الناس من تكبر على اقربائه إذا كانوا فقراء فأعلم الله عز وجل أنه لا يحب من كان كذا.95 وقوله عز وجل: {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} قال ابراهيم ومجاهد وقتادة نزل هذا في اليهود وهو قل حسن عند أهل اللغة لأن اليهود بخلوا أن يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم في التوراة وكتموا ما آتاهم الله من فضله أي ما أعطاهم والدليل على هذا قوله: {وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}.96 ثم قال عز وجل: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس} قال ابراهيم يعني به اليهود أيضا.وقال غيره يعني به المنافقين.97 ثم قال جل وعز: {ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} أي من يقبل ما سول له الشيطان فساء عملا عمله.
|